1 قراءة دقيقة
قيم المجتمع بين الماضي والحاضر
  • قديماً كان المجتمع هو صمام الأمان لحفظ الأخلاق والقيم من الضياع والاندثار، وكانت أعرافه المتعارف عليها بين الناس بمثابة قانون موثق يصعب اختراقه أو تجاوزه، وكان المجتمع قديماً متماسكاً إلى حدٍ بعيدٍ وكانت النخوة والشهامة والتسامح والعفو ووجود المُصلحين من أهل الخير بين الناس أبرز مظاهر المجتمع السائدة آنذاك، وكانت المروءة والحياء أصلاً مؤصلاً بين الناس رجالهم ونسائهم وصغارهم وكبارهم، وكان احترام الكبير سواءً أكنت تعرفه مسبقاً أم لم تعرفه كفرضٍ من فروض الصلاة يستحيل التخلي عنه.
     
    ورغم قساوة الحياة في ذلك الزمن القديم إلا أنه كان زمناً جميلاً يعبر عن الحياة الكريمة ويعطي للإنسان مكانته، وكانت فيه أجواء السعادة والراحة، وكان للأشياء معنى وقيمة رغم قلتها وندرتها وبساطتها، علماً أن كثيراً من الأمور التي عايشناها اليوم لم يُعايشها أجدادنا ولا حتّى آباؤنا، لا زلت أذكر كيف كان أبي يُحافظ على بيتِ جاره في غيابه؟ وكيف كان يُرسل أُمِّي الأمية لتطرق باب الجيران لتسأل عنهم وتتفقد أحوالهم وماذا ينقصهم من حاجاتٍ واحتياجيات؟ ولا زلت أذكر كيف كان الجيران يتبادلون صحون الطعام فيما بينهم رغم أن أوضاع الناس المادية كانت قليلة لكنها كانت نفوسهم عظيمة وكان الطعام يخلو من النكهات والمقبلات ومع ذلك كان لقرقعة هذه الصحون نكهة ولذة لا يمكن نسيانها، في الماضي كان للمناسبات رونقها.
     
    ما يجعلك تزداد غرابة وربما دهشة أن الناس في ذاك الزمن القديم لم يكن التعليم سائداً كما هو اليوم في أوساطهم، ولم تكن المدارس والجامعات متوفرة بالطريقة ذاتها اليوم، ولم يكن أعداد المتعلمين بهذه الكم الهائل وبالكاد أن يتجاوز أصابع اليد أعدادهم، ولم تكن المساجد الفاخرة في كل زاويةٍ من زوايا المدينة أو القرية أو البادية، كانت المساجد بسيطة في مبناها عظيمة في معناها ورسالتها وقيمها، ورغم ذلك كله كان المجتمع قديماً فيه الحياء والتكاتف والتعاون والتعاضد ويتخلله العطاء بلا مقابل، ويسوده الهدوء والتراحم والمحبة والاحترام، وكان المجتمع نوعاً ما يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع وكان كالجسد الواحد فيما بينهم فإذا مرض أحدهم مرضوا معه، وإذا احتفل أحدهم بمناسبة ما فرحوا معه، فلا تكاد تعرف من أصحاب الحفل ومن هم أهل المتوفى من شدّة الترابط والتماسك.
تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة